يؤكد معظم منظرو بيداغوجيا الكفايات أن الممارسة التعليمية هــي عبارة عن سيرورة لمعالجــة المعلومات الأساسية من طرف كل من المدرس و المتعلم ، فبالنسبة للمدرس يقوم بمعالجة المعلومات والمعارف المرتبطة بغايات التدريس، و كذلك المعارف المتصلة بمكونات التلميــذ الوجدانيـة و المعارف المتعلقة ببنياته المعرفية و الذهنية و المعلومات المعنية بتدبير الفصل الدراسي. أما بالنسبة للتلميذ فيركز في ممارسة أنشطته التعلمية على معالجة المعلومــات الوجدانية التي اكتسبــها من تجاربــه الدراسيــة السابقـة و المعلومات المعرفية الجديدة، التي يسعى إلى دمجها في معارفه و موارده الداخلية، كما يختار كذلك الاستراتيجيات التــي تمكنه من إنجاز المهام المطروحة عليه بفعالية و نجاح/ و يعالج أيضا المعلومات الميتامعرفية. هذا و يعتبر كذلك هؤلاء المنظرون التلميذ محور العملية التعليمية التعلميـة و موضوعــها الأساس منه ننطــلق و منه نعود و حوله ندور، يكتسب المعارف و يدمجها و يعيد استخدامها بكيفية منظمة و منتظمة... فكيف يتمكن من ذلك؟ و ما هي المبــادئ التـي يعتمدها المـدرس في إعداد و تدبير و تقويم الوضعيات الديداكتيكية و الإدماجية التي تساعد هذا التلميذ على تنمية كفاياته الأساسية؟
مبادئ التدريس وفق المنظور الكفائي:
يقترح منظرو المقاربة بالكفايات سلسلة من الاعتبارات و المبادئ ينبغي للمدرس اللجوء إليها أثناء إعداده أو إنجازه أو تدبيره للوضعـيــة الديداكتيكية أو الإدماجية بالكيفية التي تمكن تلاميذ مختلف الأسلاك التعليمية من اكتساب الكفايات الأساسيــة، نـورد هنــا أهم هذه المبادئ على الشكل التالي:
1- اعتبار التعلم سيرورة فعالة و بناءة:
يعتبر أصحاب المقاربة بالكفايات التلميذ محور السيرورة التعلمية و موضوعها الأساس، و يرون أن دوره يجــب أن يكــون فعـالا و بناءا بحيث يعي جيدا ما يقوم به و ما يجري بداخله و بخارجه، يستطيع أن ينتقي من بين المعلومــات و المعــارف ما يناســب نمـو شخصيتـه المعرفية و الإنجازية و ما يجعله قادرا على الابتكار و الإبداع و ضبط القواعـد التــي تمكنـه من ممــارسة أعمالـه و أنشطته بكيفية دالـة و تفاعلية مع مخـتلف المكونـات و العناصـر المطروحــة عليـه أو المقدمــة لـه، و في هذا الإطار يصبح دور المدرس مساعدته على ذلك الإبداع و الابتكار الفعال و المضبوط.
2- اعتبار المعارف السابقة تلعب دورا أساسيا في العملية التعلمية:
في إطار ممارسة أنشطة سيرورة اكتساب المعارف الجديدة و إدماجـها، تحــدد المــوارد و المعـارف السابقة المخزونة في الذاكرة البعيدة المدى، ليس فقط ما يجب أن يتعلمه التلميذ في اللحظة الراهنة و لكن كذلك ينبغي له أن يكتسـبه و يمتلكـه فــي اللحظـات المقبلـة و تضبـط أيضا الكيفية التي تتم بها عملية امتلاك هذا التلميذ للمعارف الجديدة، و توضـح لــه الطريقـة التـي يسلك لإقامة علاقات و صلات تلاحمية بين المتكسبات الجديدة و الموارد المعرفية السابقة.
بهذا المعنى و من هذا المنطلق، يمكن اعتبار التعلم سيرورة تساعد التلميذ على الربط و التوليف المحكم و الدمج المضبوط بيـن المعـارف الجديدة التي يقدم على امتلاكها و تعلمها و المعارف السابقة المتوفرة لديه من أجل، إما تأكيدها و تثبيتــها أو بهدف توضيحها و إضاءتها، أو من أجل توظيفها لمواجهة وضعية، مشكلة...الخ.
3- اعتبار التعلمات الدالة مرتبطة
بالمعارف و تنظيمها:
التعلم وفق المنظور التلقائي يساهم بشكل كبير في جعل التلميذ يهيكل و ينظم معــارفه في بنيتـه الذهنـية بشكل محكـم و مضبوط و مدمج.
4- اعتبار التعلم اكتساب لمجموعة من المعارف الميتامعارف والاستراتيجيات
يحتوي نسق التلميذ المعرفي و الذهني على المعارف الثابتة و المتحركة و الاستراتيجيات الفكرية و الميتامعارف التي تسمح له بالمواجهة الفعالة لبيئته و محيطه و الاندماج الإيجابي و التفاعلي فيهما و تتيح له أيضا التوظيف المحكم و المضبوط لمـوارده و معلوماتـه المكتسبـة من أجل مواجهته و حل المشاكل التي تعترض مساره الحياتي و و سيرورته التعلمية.
5- التمييز بين أصناف ثلاثة من المعارف: التقريرية و الإجرائية و الشرطية:
بين المعارف الثلاث التالية يميز جاك طارد يف Jacques Tardif
أ- المعرفة التقريرية:
تشير المعارف التقريرية إلى معارف نظرية كالمعلومات و الوقائع و القواعد و الضوابط و القوانين و المفاهيم و المبادئ... و تنتظم هذه المعارف في سياق شبكات و في خرائط دلالية، و ذلك بغية الرفع من عدد المسالك التي تمر منها إلى الذاكـرة الطويلــة المـدى، فبقـدر ما تكون هذه المعارف منظمة و متلاحمة و متعانقة بقدر ما يتمكن التلميذ من فهمها و تأويلها و بالتالي تعلمها و العودة إليها عند الحاجة.
أمثلة المعارف التقريرية:
تعريف مدينة فاس / وصف خصائص عظام الإنسان / ملفوظ قاعدة المبتدأ و الخبر / معرفة لوحة الضرب / معرفة مختلف بنيات نص أدبي / معرفة نواحي مدينة الجديدة / معرفة دور الفعل في الجملة / معرفة دور المخاطب في التواصل /
ب- المعرفة الإجرائية:
تحيل المعارف الإجرائية إلى مجموعة من الأنشطة و العمليات المرتبطة بتحقيق مهمة من المهمات، فمثلا يتعرف التلمـيذ علـى المراحـل اللازمة لحل مشكلة أو لكتابة نص من النصوص... و من تم فإن اكتساب مثـل هـذه المعارف لا يمـكن أن يكتـب لـه النجــاح إلا فـي ظــل وضعية حقيقية و واقعية، حيث يستطيع التلميذ إعادة إنتـاج هذه المعلـومات و ترتيبــها ترتيبـا ينسجم مع مقتضيات الحل المطلوب، و لكي يصل التلمـيذ إلى ذلـك، يجـب علـى المـدرس أن يجعـل اللحظـة التي تـجري فيـها الأنشطــة العمليـة لحظـة واضحة و صريحة من خــلال توضيحات و تفسيرات شاملة تجعلها في المتناول و قابلة للإدراك من طرف ذلك التلميذ، و بعبارة أخرى، ينبغي أن تتجلى اللحظة المعنية في صيغة منهجية أو إجراء يتمكن التلميذ من التقاطه و استيعابه.
أمثلة المعرفة الإجرائية:
كتابة نص موجه إلى تلاميذ السنة الأولى الابتدائية / حل و إنجاز سلسلة من مسائل الضرب / قراءة نص تكون بنيته سردية / إنجاز العملية التالية: 45+39=......../ توقع تكملة نص معين انطلاقا من فقرته الأولى / إعداد خطة عمل،
ج- المعرفة الشرطية:
تحيل هذه المعارف إلى الشروط و السياقات التي تستخدم فيها المعارف التقريرية و المعارف الإجرائية، و مـن تـم تكون المسؤوليـة أكثـر من عملية التحويل أو النقل، و هذه المعارف الشرطية لا يمكن أن يتم تعلمها إلا مـن خلال الأنشطة الفعلـية و العمليـة التي تتيــح إمكانيــة نموها و إدماجها في إطار الذاكرة البعيدة المدى، كما أن تعلمها يقتضي فضلا عن ذلك تدخلا مباشرا و جليا من طرف المدرس.
أمثلة المعارف الشرطية:
التمييز بين المربع و المستطيل / التعرف على الفعل الماضي في نص معين / التعرف على البنية الإخبارية التي يحتوي عليها نص معين / التعرف على نواحي المدن الساحلية اعتمادا على خريطة المغرب / تحديد الانسجام الحاصل في نص موجه إلى تلاميذ السنة الأولى ابتدائية / التعرف على الأفعال المضارعة الموجودة في فقرة من فقرات نص معين / التمييز في نص معين بين الأساسي و الثانوي/ التعرف من خلال سلسلة من المسائل الرياضية، تلك التي ترتبط بالقسمة
6- أهمية الميتامعرفية في اكتساب المعارف:
يرتبط مفهوم التعقل أو الميتامعرفية M?tagnition بكل العمليات المعرفية و الذهنية التـي يلجأ إليـها التلميـذ لمراقبـة ما يفعلــه و مــا ينجزه من أعمال و أنشطة و ما يستخدمه في ذلك من أدوات و استراتيجيات، و تحيل معرفة الذات و مراقبتهــا إلى قدرة هذا التلميـذ على القيام بما يلي:
* تدبير انخراط في العمل و إصراره على انجازه،
* تدبير مواقفه و اتجاهاته الإيجابية إزاء السيرورة التعلمية،
* تدبير قدرته على التركيز و الانتباه،
أما معرفة و مراقبة الاستراتيجيات الذهنية و الفكرية، فعادة ما ترد إلى قدرة التلميذ على إنجاز ما يلي:
* تقييم المعارف و المهارات التي يحتاج إليها خلال سعيه إلى تحقيق أهداف التعلم،
* اختيار و انتقاء الاستراتيجيات المناسبة و الناجحة و العمل على تطبيقها و ممارستها،
* تحليل الأنشطة التي يقوم بها عندما يتصدى لإنجاز مهمة من مهمات التعلم،
* تدبيره للفهم و قدرته على إدخال التغيرات و التصحيحات اللازمة خلال ممارسته لمنهجية معينة.
يساهم وعي التلميذ في المواقف التي تتخذها أنشطتـه المختلفـة و إدراكــه للاستراتيجيات التي يوظفـها في عملـه و فـي تحسيــن تعلماتــه و في إتاحة الفرصة لمراقبة إنجازاته و تحمل المسؤولية في ذلك.
المصدر
http://www.facebook.com/groups/177711505631544/doc/183611678374860/
Merci profondément pr cet intéressant article
ردحذفنص تربوي رائع يلخص العمليةالتعليمية التعليمة الحالية
ردحذف