قصص مؤلمة تلك التي تتكرر تحت تسقف مؤسسات التعليم الخاص. قصص أقرب إلى نكت سمجة لا يمكن أن تثير الضحك كونها تحكي قصة واقع مؤلم تعيشه مؤسسات التعليم بشكل عام في المغرب. "الأستاذ هرب" هذا عنوان فيلم يتكرر مشهده حين يقرر الأستاذ فجأة مغادرة قاعة الدرس تحت أعين التلاميذ، لكن من النافذة وليس من الباب. ومشهد أستاذ يهرب من القسم عبر النافذة، الذي تكرر في أكثر من مدينة ومدرسة، لا يعني أن "الأستاذ" مبحوث عنه في قضايا إرهاب أو مخدرات أو جريمة تهريب أو تبييض أموال، فهو يغادر اليوم القسم هربا عبر النافذة ليعود إليه بعد ذلك في نفس اليوم أو في الغد من الباب وكأن شيئا لم يقع ! و مشهد الدخول من الباب والخروج من النافذة، الذي قد يتكرر أكثر من مرة أمام نفس التلاميذ، ليس أيضا بسبب نزاع "الأستاذ" مع مدير مؤسسته، أو بسبب حضور أحد أولياء تلاميذه في قضية مست بأحدهم.
"الهروب عبر النافذة" ليس له علاقة مع أي شيء مما ذكر ولكنه "أسلوب تدبيري" أبدعته إدارات بعض مؤسسات التعليم الخصوصي في إطار عملية شد الحبل مع وزارة التربية الوطنية التي أصرت على تطبيق قرار الوزير الوفا القاضي بمنع أساتذة التعليم العمومي من التدريس في تلك المؤسسات من دون ترخيص مسبق. وبما أن تلك المؤسسات تعتمد في مواردها البشرية على الموارد البشرية لوزارة التربية الوطنية، وبما أن غالبية تلك المؤسسات مهدد بالإغلاق النسبي أو الكلي إذا ما أرادت احترام قرار الوزير الوفا في الموضوع فإن "الحاجة"، التي هي أم الاختراع، أخرجت إلى الوجود "اتفاقات" جديدة بين بعض الأساتذة المصرين بدورهم على مخالفة مذكرة الوزير تلك وبعض من تلك المؤسسات، ويقضي "الاتفاق" بأن يستمر الأستاذ في التدريس بها مقابل ضمان عدم ضبطه من طرف اللجان التي أحدثها الوزير الوفا والتي تسهر على تنفيذ قراره في الموضوع. ولتنفيذ الاتفاق تخصص المدرسة المعنية "خلايا يقظة" ترصد قدوم أية لجنة إلى المؤسسة ليتم إخبار الأستاذ في الحال والذي لا يجد مكانا مناسبا يغادر منه القسم سوى نافذته.
هذا الأسلوب في تدبير عملية شذ الحبل بين الوزارة ومؤسسات التعليم الخصوصي لا يخلو من مشاهد أقرب إلى الخيال السينمائي منه إلى واقع مؤسسات تربوية يفترض أنها تعمل بمسؤولية وتقدم القدوة للتلاميذ في احترام القانون وفي مواجهة التحديات بمسؤولية كبيرة. ولعل أقصى ما أفرزه التدبير الدرامي للعبة شذ الحبل بين الطرفين هي في إحدى الحالات(في إحدى المدن القريبة من الرباط) التي لم يفهم فيها التلاميذ ما وقع ولم يقم فيها ممثل الإدارة بدوره في ضبط القسم وطمأنة التلاميذ، فما كان من التلاميذ حين رأوا أستاذهم يغادر القسم مهرولا عبر النافذة إلا أن تبعوه ضنا منهم أن ثمة خطب ما قد وقع ! نعم إنها فاجعة مؤلمة بكل المقاييس. فاجعة قد تجد بعض تفسيرها في الأرقام التي أعلنتها "رابطة التعليم الخصوصي" خلال جمعها العام الاستثنائي السبت الماضي بالرباط. فجراء قرار الوزير "تعثرت الدراسة في أزيد من 80 في المائة من مؤسسات الإعدادي والثانوي بسبب عدم التحاق غالبية تلامذتها والتحاق بعضهم بالمدارس العمومية، وإغلاق بعضها أبوابها". كما أصبح الغموض يلف، جراء ذلك، مصير 140 ألف تلميذ في القطاع بتلك المستويات.
جمع عام الرابطة الذي حضره أزيد من 500 من مديري ومؤسسي مؤسسات التعليم الخصوصي، كشف النقاب عن وجود لائحة من 700 أستاذ في التعليم العمومي تنتظر من وزير التربية الوطنية الترخيص لها بتقديم دروس إضافية في المؤسسات الخاصة. واستكمالا لمشهد شد الحبل على مستوى الأقسام، والذي ينتهي في كثير من الأحيان بفرار مهين للأستاذ من النافذة لا يشرف رجل التربية إتيانه البثة فكيف أمام تلاميذه، هددت الرابطة " أنه في حالة لم يتراجع الوفا عن قراره الأخير بمنع أطر هيئة التدريس من مزاولة العمل في القطاع الخاص، سيتم تنظيم وقفات احتجاجية جهوية أمام أكاديميات التعليم، قبل التقدم برفع دعوى قضائية بالمحكمة الإدارية".
لا يجادل أحد في كون قرار الوفا كان مباغثا ويفتقر إلى الكثير من الواقعية، غير أن أساليب شذ الحبل والإمعان في مخالفة القانون واللجوء إلى أساليب لا تربوية و لا مهنية تمس بصورة المؤسسات التربوية وبرجل التربية والتعليم وتكرس ثقافة الالتفاف على القانون بصور تطبيقية يعيشها التلاميذ، أمر مرفوض كلية.
لقد استمرأت المؤسسات التعليمية الخاصة وفئة من أساتذة التعليم العمومي الانخراط في علاقات يستنزف فيها التعليم العمومي لفائدة الخواص، حيث تستثمر تلك المؤسسات موارد بشرية بدون تحملات اجتماعية يفرضها قانون الشغل وبدون تعويض عن العطل بما أن تلك الموارد البشرية تابعة للقطاع العام، ويستفيذ هؤلاء الأساتذة من مداخل مالية إضافية قد تفوق أجورهم من الوظيفة العمومية لكن في "النوار" فهي مداخيل غير مصرح بها ولا يؤدون عنها ما يؤديه جميع الأجراء من ضرائب ورسوم للدولة. وفي المحصلة لا يجد التلميذ في المدرسة العمومية أستاذا يدرسه، وإن حضر فليسجل الحضور في انتظار "الساعات الذهبية" الإضافية في مؤسسات التعليم الخاص أو التي يقدمها في حصص الدعم لتلاميذ قسمه وغيرهم.
يحق لمؤسسات التعليم الخاص الدفاع عن ما تراه حقا اكتسبته من اتفاقات سابقة مع الجهات الوصية، لكن لابد من نقد ذاتي تعترف فيه بالأضرار الجسيمة التي ساهمت في إلحاقها بالمدرسة العمومية، وبخطأ استمرائها الاستمرار في استنزاف الموارد البشرية العمومية التي تأخذ أجورها من دافعي الضرائب وهي مؤسسات خاصة إنما أسست من بين ما أسست من أجله، لتحقيق الأرباح.
قد لا تكون فكرة مراسلة رئيس الحكومة صائبة بسبب انخراط الوزير الوفا في مشروعه عمليا بشكل يجعل ثنيه عنه بضغط من رئيس الحكومة غير مناسب بالمرة، لكن فكرة اللجوء إلى القضاء أمر مشروع يدعم دولة الحق والقانون وليس دولة التعليمات والاتصالات. لكن الاستمرار في توريط الأستاذ في صور غير تربوية يلقن من خلالها التلاميذ دروس "كيف تلتف على القانون وتتهرب من المراقبة" أمر غير مقبول على الإطلاق؟
"الهروب عبر النافذة" ليس له علاقة مع أي شيء مما ذكر ولكنه "أسلوب تدبيري" أبدعته إدارات بعض مؤسسات التعليم الخصوصي في إطار عملية شد الحبل مع وزارة التربية الوطنية التي أصرت على تطبيق قرار الوزير الوفا القاضي بمنع أساتذة التعليم العمومي من التدريس في تلك المؤسسات من دون ترخيص مسبق. وبما أن تلك المؤسسات تعتمد في مواردها البشرية على الموارد البشرية لوزارة التربية الوطنية، وبما أن غالبية تلك المؤسسات مهدد بالإغلاق النسبي أو الكلي إذا ما أرادت احترام قرار الوزير الوفا في الموضوع فإن "الحاجة"، التي هي أم الاختراع، أخرجت إلى الوجود "اتفاقات" جديدة بين بعض الأساتذة المصرين بدورهم على مخالفة مذكرة الوزير تلك وبعض من تلك المؤسسات، ويقضي "الاتفاق" بأن يستمر الأستاذ في التدريس بها مقابل ضمان عدم ضبطه من طرف اللجان التي أحدثها الوزير الوفا والتي تسهر على تنفيذ قراره في الموضوع. ولتنفيذ الاتفاق تخصص المدرسة المعنية "خلايا يقظة" ترصد قدوم أية لجنة إلى المؤسسة ليتم إخبار الأستاذ في الحال والذي لا يجد مكانا مناسبا يغادر منه القسم سوى نافذته.
هذا الأسلوب في تدبير عملية شذ الحبل بين الوزارة ومؤسسات التعليم الخصوصي لا يخلو من مشاهد أقرب إلى الخيال السينمائي منه إلى واقع مؤسسات تربوية يفترض أنها تعمل بمسؤولية وتقدم القدوة للتلاميذ في احترام القانون وفي مواجهة التحديات بمسؤولية كبيرة. ولعل أقصى ما أفرزه التدبير الدرامي للعبة شذ الحبل بين الطرفين هي في إحدى الحالات(في إحدى المدن القريبة من الرباط) التي لم يفهم فيها التلاميذ ما وقع ولم يقم فيها ممثل الإدارة بدوره في ضبط القسم وطمأنة التلاميذ، فما كان من التلاميذ حين رأوا أستاذهم يغادر القسم مهرولا عبر النافذة إلا أن تبعوه ضنا منهم أن ثمة خطب ما قد وقع ! نعم إنها فاجعة مؤلمة بكل المقاييس. فاجعة قد تجد بعض تفسيرها في الأرقام التي أعلنتها "رابطة التعليم الخصوصي" خلال جمعها العام الاستثنائي السبت الماضي بالرباط. فجراء قرار الوزير "تعثرت الدراسة في أزيد من 80 في المائة من مؤسسات الإعدادي والثانوي بسبب عدم التحاق غالبية تلامذتها والتحاق بعضهم بالمدارس العمومية، وإغلاق بعضها أبوابها". كما أصبح الغموض يلف، جراء ذلك، مصير 140 ألف تلميذ في القطاع بتلك المستويات.
جمع عام الرابطة الذي حضره أزيد من 500 من مديري ومؤسسي مؤسسات التعليم الخصوصي، كشف النقاب عن وجود لائحة من 700 أستاذ في التعليم العمومي تنتظر من وزير التربية الوطنية الترخيص لها بتقديم دروس إضافية في المؤسسات الخاصة. واستكمالا لمشهد شد الحبل على مستوى الأقسام، والذي ينتهي في كثير من الأحيان بفرار مهين للأستاذ من النافذة لا يشرف رجل التربية إتيانه البثة فكيف أمام تلاميذه، هددت الرابطة " أنه في حالة لم يتراجع الوفا عن قراره الأخير بمنع أطر هيئة التدريس من مزاولة العمل في القطاع الخاص، سيتم تنظيم وقفات احتجاجية جهوية أمام أكاديميات التعليم، قبل التقدم برفع دعوى قضائية بالمحكمة الإدارية".
لا يجادل أحد في كون قرار الوفا كان مباغثا ويفتقر إلى الكثير من الواقعية، غير أن أساليب شذ الحبل والإمعان في مخالفة القانون واللجوء إلى أساليب لا تربوية و لا مهنية تمس بصورة المؤسسات التربوية وبرجل التربية والتعليم وتكرس ثقافة الالتفاف على القانون بصور تطبيقية يعيشها التلاميذ، أمر مرفوض كلية.
لقد استمرأت المؤسسات التعليمية الخاصة وفئة من أساتذة التعليم العمومي الانخراط في علاقات يستنزف فيها التعليم العمومي لفائدة الخواص، حيث تستثمر تلك المؤسسات موارد بشرية بدون تحملات اجتماعية يفرضها قانون الشغل وبدون تعويض عن العطل بما أن تلك الموارد البشرية تابعة للقطاع العام، ويستفيذ هؤلاء الأساتذة من مداخل مالية إضافية قد تفوق أجورهم من الوظيفة العمومية لكن في "النوار" فهي مداخيل غير مصرح بها ولا يؤدون عنها ما يؤديه جميع الأجراء من ضرائب ورسوم للدولة. وفي المحصلة لا يجد التلميذ في المدرسة العمومية أستاذا يدرسه، وإن حضر فليسجل الحضور في انتظار "الساعات الذهبية" الإضافية في مؤسسات التعليم الخاص أو التي يقدمها في حصص الدعم لتلاميذ قسمه وغيرهم.
يحق لمؤسسات التعليم الخاص الدفاع عن ما تراه حقا اكتسبته من اتفاقات سابقة مع الجهات الوصية، لكن لابد من نقد ذاتي تعترف فيه بالأضرار الجسيمة التي ساهمت في إلحاقها بالمدرسة العمومية، وبخطأ استمرائها الاستمرار في استنزاف الموارد البشرية العمومية التي تأخذ أجورها من دافعي الضرائب وهي مؤسسات خاصة إنما أسست من بين ما أسست من أجله، لتحقيق الأرباح.
قد لا تكون فكرة مراسلة رئيس الحكومة صائبة بسبب انخراط الوزير الوفا في مشروعه عمليا بشكل يجعل ثنيه عنه بضغط من رئيس الحكومة غير مناسب بالمرة، لكن فكرة اللجوء إلى القضاء أمر مشروع يدعم دولة الحق والقانون وليس دولة التعليمات والاتصالات. لكن الاستمرار في توريط الأستاذ في صور غير تربوية يلقن من خلالها التلاميذ دروس "كيف تلتف على القانون وتتهرب من المراقبة" أمر غير مقبول على الإطلاق؟
02/10/2012
حسن بويخف لجريدة التجديد
ردحذفامر مضحك فعلا، يجدر بالاستاذ ان يحسن التصرف ، ويصرف النظر عن المؤسسات الخاصة ويطبق القانون لانه في مصلحة بلدنا .
يتحتم على هذا الأستاذ أن يحتقر نفسه الجبانة قبل أن يحتقره الآخرون،وأن لايعود لإعطاء الدروس للتلاميذ الذين عاينوه وهو يطلق ساقيه للريح،فكيف لهم أن يحترموه ويتخذوه قدوة.ففاقد الشيء لايعطيه.خصو يعطي للتربية والتعليم التيساع.ويجرب حظو مع ألعاب القوى
ردحذفسمعنا بهروب الأساتذة من النوافذ من زمان قبل صدور المذكرة الوزارية هاته وبالضبط بثانوية خديجة أم المؤمنين التأهيلية بتطوان... القريبة جدا من النيابة!!!
ردحذف