أثار برنامج مسار جدلا كبيرا في الأوساط التربوية، وانقسم بشأنه القائمون على الشأن التربوي انقساما حادا، كما خرج التلاميذ محتجين مستنكرين تبني وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني له، وكأن الأمر يتعلق بإحداث انقلاب في مسار المنظومة التربوية.
وإن تعجب فعجب هذا النفير التلاميذي المنقطع النظير على برنامج لا يعنيهم في شيء، وسكوتهم ردحا من الزمن على مشاكل عانوا منها ومن نتائجها الأمرين من قبيل الاكتظاظ ورداءة البرامج التعليمية، وعدم الاستفادة في كثير من الأحيان من المعينات الديداكتيكية الحديثة، وتقليدانية الأساليب التربوية، وضعف الترسانة الإلكترونية التي يفترض أن تكون على رأس الوسائل التعليمية المصاحبة لعملية التعلم، وألا يخلو فصل دراسي منها، وسياسة الرتق والترقيع المبنية على سد خصاص الأطر التربوية بما اتفق، وبمنطق ملء الفراغ بما يناسب، وبما لا يناسب... كل هذه الأشياء وغيرها كثير لا تعني من قريب أو بعيد تلاميذنا الأعزاء الذين اقتفوا آثار الكبار وساروا على نهجهم، والذين عودونا أن يملؤوا الدنيا صياحا وعويلا وضجيجا في نقطة واحدة فقط، هي حينما يرتبط المشكل بما هو مادي، وبمعنى أوضح حينما يتعلق الأمر بالجيب، دون أن يحركوا ساكنا على العدوان المستمر على ظروف عملهم وكيفية اشتغالهم، وعلى حرمانهم من التكوين المستمر ومن الامتيازات التي من شأنها مساعدتهم على الانفتاح على المعرفة بشقيها التقليدي والإلكتروني...
اليوم، ومن منطق من شابه أباه فما ظلم، سار الصغار على نفس المنوال متباكين على المصيبة التي ستنزل عليهم بحرمانهم من الريع التربوي، ومن الامتيازات النقطية التي كان يتعاطف بها أساتذتهم معهم، معتبرين تركهم وجها لوجه مع نقط فروضهم المحروسة اعتداء صارخا على حقهم في الانتقال والنجاح، ومؤامرة تستهدفهم وتستهدف أساتذتهم، وتريد قطع حبل المودة والحب والعطف والحنان الأبوي الذي لا يبخل مدرسوهم كما يعتقدون في مده إليهم، وتريد الوزارة قطعه والتوقيع على شهادة وفاة هذه الحميمية المسماة ريعا تربويا.
هذه الوضعية تدفعنا إلى الخروج بمجموعة من الاستنتاجات نجملها في النقط الآتية:
أولا يفترض أن برنامج "مسار" لا يعني التلميذ من قريب أو بعيد، فهو من حيث المضمون مجرد تحصيل حاصل لنظام تقويم يفترض أن رجال ونساء التعليم عملوا به منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، فهو فقط إضافة شكلية تؤشر على رغبة القائمين على الشأن التربوي في رقمنة نظام التقويم والجنوح به نحو الجانب الإلكتروني للتخلص من الطريقة اليدوية التقليدية المتبعة في إدخال النقط.
ثانيا: لقد عرى برنامج "مسار" والنقاش الدائر حوله عن تخلف بعض الفاعلين التربويين عن كثير من المستجدات في مجال اشتغالهم، فنقطة "الشفوي" التي يتباكون على تهديد "مسار" بتصفيتها، ويوحون إلى التلاميذ بما سيلحقهم من أذى نتيجة لذلك لا وجود لها أصلا في أدبيات التقويم، وقد صدرت مذكرات وزارية وأطر مرجعية في بداية الألفية الثالثة بما ينسخها، ممثلا في مفهوم الأنشطة المندمجة التي لا تمنح نقطها اعتمادا على الانطباعية ودرجة قرب المتعلم أو بعده عن الذات المعلمة، وإنما اعتمادا على معطيات محددة ممثلة في مراقبة دفتر الدروس، والفروض السريعة، وإنجاز الواجبات خارج الفصل، وحفظ القواعد والبرهنات، وتخصص لها نسبة 25%، في الوقت الذي يأخذ فيه معدل الفروض المحروسة نسبة 75%، ولعل المشكل هنا يكمن في عدم اطلاع كثير من المدرسين على المذكرات والدوريات الوزارية، وهذا سببه الطريقة التي توزع بها على السادة الأساتذة، فأثناء إنجاز الدرس يطرق باب الحجرة الدراسية عون المؤسسة، طالبا منهم التوقيع عليها، فيفعلون دون أن يقرؤوها بسبب انشغالهم بسيرورة الدرس، وهذا يصور من جهة أخرى مأزق نظامنا التعليمي الذي يشهد زخما وحركية على مستوى التنظير، في حين تبقى طقوس القسم كما هي دون أن يمسها طائف من التغيير المنشود.
رابعا: من حسنات برنامج "مسار" أنه كشف عن تخلف منظومة الإشراف التربوي وعجزها عن تأطير الأساتذة ووضعهم على سكة المستجدات، ومراقبة إنجازاتهم على ضوئها، وتقويم إخفاقاتهم، وإرشادهم إلى المسار الصحيح، فمنذ ما يزيد عن عشر سنوات من صدور نظام التقويم الذي جاء برنامج "مسار" ليكرسه، ونسبة كبيرة من رجال ونساء التعليم لا تفقه ولا تعلم عنه شيئا، في الوقت الذي لا تقوم فيه الوزارة بدورها في المراقبة عبر مختلف الأجهزة التابعة لها، الشيء الذي خلق فوضى عارمة في مجال التقويم وجعل كل مدرس "يلغي بلغاه".
ينبغي على مسيري المؤسسات أن يعملوا على عقد لقاآت مع آولياء التلاميذ من أمهات وآباء وذلك لتقديم برنامج مسار وغيره من البرامج الحديثة وذلك رفعا لكل التباس .
ردحذفيلاحظ أن هناك هوة عميقة وواسعة بين نختلف الشركاء في التربية والتعليم مما يخلق من حين لآخر تداخل في المسؤوليات وتأويل المذكرات الصادرة عن الوزارة .
‘ن دور جمعيات آباء التلاميذ ينبغي الا ينحصر في الاشتراك المادي وإنما يجب أن يتجلى في تتبع نتائج المتعلمين وتوعية أوليائهم واطلاعهم على المستجدات حتى لا يسقطوا في تأويلات وانفعالات لا يجنى من ورائها أي خير لأي طرف كان، أستاذا أم تلميذا.....