ديداكتيك الدرس النحوي

السلام عليكم

نحو ديداكتيك للدرس النحوي
                                                                                                                                                                                                                                                     
تأليف ׃ مونيك لوبرين وكوليط بريبو
  ترجمة׃ د.أخ العرب عبد الرحيم
 أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة(مكناس)
    
1-الدرس النحوي والمعيار׃ من التحفيظ إلى فهم النــسق
   يبدو النحو-عندما نسأل أي أستاذ للمستوى الإعدادي والثانوي-كموضوع معرفي صارم، يجب عليــــه مطلقا التمكن منه، وتمكين التلاميذ من التحكم فيه والتمرس عليه؛ وهذا الهدف النهائي لا يتغير علـــــــــــــــــى مدى ثلاث سنوات بالنسبة للتلميذ، ووسائل توصيل النحو في البداية تكون ضبابية وسرعان ما تتحدد بدقة؛ فمثلا الأستاذ(أ) دائم الخوف لحظة تدريس النحو، لأن القواعد بالنسبة له بالصعوبة بما كان في المستوى الثانوي، حيث كان يدفع التلاميذ لحفظها عبر التكرار، ويحبذ الاهتمام بفهم القواعد.
في تدريبه الأول اعتمد المنهج الاستقرائي مصاحبا بالإملاء، كوسيلة لتحقيق الموضوعية المتجلية في إعادة استثمار المعارف النحوية؛ فبالنسبة له في فرنسا المعارف النحوية تدرس باكراً، مما حقق نتائــــــج ممتازة، أما موقفه من النحو׃ معياري، وفيه قواعد وأوامر، عكس درس التعبير (الشفوي) الذي يتسم بالتسامح والتساهل. قبل تدريبه الأول كان يدرس تاريخ اللغة ،مما جعله يدرك ظاهرة( الاستثناءات)،وفي لقائه الثاني تحدث مع تلامذته عن الاستثناءات النحوية،واكتشف
 أنها تخلق مآزق للتلاميذ.
                                                                                                                                        أما التدريب الثاني فكان فرصة سانحة للأستاذ(أ) لتهذيب رؤيته للنحو المكتوب في مقابل النحو الشفوي،                  فحسب قوله׃إنه أصبح يلمح جليا الصعوبات التي يعانيها التلاميذ،لأن في دولة (الكيبيك)
اللغة الشفوية تؤثر بشكل كبير على اللغة المكتوبة [1]،مما تسقطه في الأخطاء،وهذا استوجب منه عدم إكثار النقد للتلميذ
 بقدر  ما يعيد تدريس القواعد .
    في حين أن الأستاذة (ب) تستهويها بنية الجملة،وهي من رواد التحليل المنطقي التقليدي؛فتحليل الجملة إلى مكوناتها
يعد عملا قبليا لتحليل بنية النص ،ومادام تدريس النحو ليس مسليا في التعليم الأولي، خلق ممارسة تدريسية ممتعة للنحو لصالح التلاميذ.                                                                                                                              
     صرحت الأستاذة (ب) مثل زميلها الأستاذ (أ) بأنها في تدريبها الأول كانت من رواد التحفيظ، بواسطة التكرار
 والإملاء،  لكن تجريبها للمنهج الاستقرائي دفعها إلى إضافة نشاط لم يكن مألوفا، وهو مناقشة أهمية فهم القواعد مع
 التلاميذ،  لأن الأساتذة لم يعطوا الوقت الكافي لهذه المهمة ولم يقفوا مليا عندها.
                                     
   كانت تسعى إلى خلق إجابات آلية  automatismes، لدى التلاميذ وخاصة في التعبير، و تأسف للإيقاع البطيء
لتلاميذ الأولى إعدادي.
  نلاحظ أن فكرة الإملاء(أهمية القواعد) عادت إلى خطابها بشكل قوي أكثر من السابق، فهي إذن تقليدية التوجه، وكذلك
تعتمد بيداغوجية تروم  بأي شكل من الأشكال الإقناع بنجاعة إلحاحها وأوامرها المتنورة.
 غير أنه إذا كنا نحس لدى الفاعلين التربويين الأولين حب النحو، في المقابل نجد الفاعلة التربوية (ج) تعترف بقيمة
المعارف والتعلّمات النحوية ،لكن يبدو لها جمالية الأدب أكثر جاذبية،وتجد في المنهج الاستقرائي المجرب في الدروس
الجامعية طويلا ، ولا يحقق ايجابية إشراك الطالب بفاعلية في مسار اكتشاف القاعدة  .
  وبعد مرور تدريبها الأول(ج) سئلت من جديد، وصرحت بأنها أحسّت بعدم كفاءتها لتدريس النحو، لأنها لا تتمكن منه
كليا، والتلاميذ أنفسهم يركّزون في حفظ القواعد أكثر من تركيزهم في التواصل؛ وحتى بعد تدريبها الثاني لا زالت تجد
صعوبة في المصطلحات النحوية الجديدة، وكذا في تجاوز ثغرات التلاميذ؛ ولم تستطع تطبيق المناهج الجديدة مثل
 أقرانها.
ومن ثم نحس بغياب تطور بيداغوجي لديها ،حيث ظلت وفية لطريقتها ونزعتها المعيارية في تدريس النحو؛ فرغم خصوبة تفكيرها لم تكلف نفسها عناء إيجاد وسائل عملية قابلة للتطبيق ،وهذا يشكل خطرا عليها كمدرسة للمستقبل.
 وصفوة القول إن الفاعلين التربويين الثلاثة اهتموا بتطور الديداكتيك ،فيما يتعلق بضرورة العمل مع التلاميذ على التحاليل
القادرة على إفهامهم إشتغال اللغة بشكل جيد.                                                                                                                                                                      
   إن البرنامج الوزاري انطلاقا من تصريحات بعض علماء الديداكتيك ،ارتأى أمر الأساتذة بتلقين التلاميذ التعلّمات
الأساس ، وهذا للأسف سبب في بطئ اندماجهم مع فكرة إعادة استثمار التعلّمات والمعارف النحوية،والتي تتحقق بشكل
كلي ونهائي في الإنشاء الكتابي؛ ويمكن أن نرى في الواقع الأهمية التي يولونها للإملاء في استثمار التعلّمات النحوية
 كتمرين كلاسيكي يولي بعض الأساتذة أهمية له كوسيلة للتعلم، ويُفَضَّل أن يكون وسيلة للتقويم.
    أما في المستوى الأولي والابتدائي فالأمر مختلف لأن تدريس النحو مندمج في أنشطة الكتابة، فالفاعلون التربويون
يوصلون معلومات للتلاميذ بدون منهجية ديداكتيكية  وحتى المحتويات تولي عناية كبيرة بديداكتيك-الكتابة ،فهم يخلطون
 بين الكتابة والنحو حيث يصرحون ب" جيد في الفرنسية " ،وهذا يدل على أنهم يطبقون القواعد فقط بدون وعي وبطريقة
آلية.
  صرح الفاعل التربوي (أ) بأن تطبيق القواعد مسألة إرادة شخصية، وهذه الفكرة تغيرت، فعلا يجب حفظ القواعد لكن
 تعليمها وتوصيلها يحتاج إلى طريقة دينامكية وحيوية (أنشطة البحث ،المقارنة ،المقابلة ....إلخ)،وقال بأنه يحس
بصعوبات في شرح – ما ليس منطقيا- إلى التلاميذ .                                                                                       
 في حين أن الفاعل التربوي الثاني (ب) أسس لوجود اختلاف بين فهم القاعدة ومعرفة تطبيقها، ويصرح بأن التدريبات
  les stages) تهتم بالتطبيقات في دفاتر النحو، وتحفزهم لخلق وسائلهم الديداكتيكية الخاصة، رغم أن مدة التدريب
غير كافية لبناء المؤهلات والكفايات القادرة على مواجهة التعقيدات والصعوبات ،وخاصة ثقل مهمة التصحيح والإنجازات غير المرضية للتلاميذ .         
    أما الفاعل التربوي الثالث(ج) فاكتشفت حسب تصريحاتها الطريقة الاستقرائية التي تدمج النحو في تعلم
 الكتابة(إملاء،تركيب.......).
    إذن إن النموذج المفضل لهؤلاء الفاعلين التربويين في تدريس النحو هو الطريقة المعيارية الصارمة، والتي تكرس
 مَلكَة الإنتاج وإعادة إنتاج الإجابات الصحيحة، هذه الأخيرة التي أصبحت مدركة بدقة.
    فرغم التغييرات التي تعتري تصريحات الفاعلين التربويين بعد كل تدريب، لا يمكن فصل وجهات نظرهم عن نموذج
التكوين(غياب ديداكتيك خاص بالنحو)، وعن إكراهات البرنامج الوزاري للمستوى الابتدائي، من جهة أولى، وغياب
ضغوطات مجتمعية ، رغم أن المجتمع يدرك أن التلاميذ الصغار من 8الى10سنوات لازالوا يعانون من صعوبات في
 تحقيق كتابة صحيحة، من جهة ثانية.
   إن المدرس في النموذج المعياري لايهتم ببناء استراتيجيات تدريسية منتجة ،بل يلقن بواسطة التحفيظ ؛ ونتمنى من هؤلاء المدرسين الجدد تطوير رؤية حية للغة ، وتجريب إمكانية سيناريو تعليمي تشاركي حتى في النحو كذلك، أي اكتتاب
برنامج نحوي جديد من أهدافه التفكير في اللغة كنسق، وتعلم الكتابة بدون أخطاء.[2]
 2-من أجل ديداكتيك التثبيت والترسيخ Didactique Ancrée  ׃
    يتميز مكون (القراءة) في البرنامج الوزاري بايجابيات ،حيث يمكن اعتباره نموذجا إنسانيا  humaniste׃ أي يُراعى
المتلقي التلميذ كا نسان وإحساس وعقل وفكر.. فالمقروء ينتقى حسب حقول اهتمام التلاميذ وحاجاتهم العاطفية ، ويعد
درس القراءة نوعا من اللعب والهواية داخل القسم ، سواء قراءة  المدرس الشفوية للتلاميذ ، أم الأنشطة القرائية الموجهة
 لمسار الفهم بالنسبة للتلميذ. في المقابل نجد مدرس مكون (النحو ) مُقحَــم في نموذج معياري صارم ׃ يدفعه خوفه من
انجاز وأداء التلاميذ  إلى التركيز على الإخبار والتلقين ، على حساب تقديم المعارف عبر مراحل procédurause  ؛
  أما تدريس مكون (الكتابة) l’écrit فنلاحظ أنها تمتلك طابعا مزدوجا، فهو معياري وصارم في أهدافه، وإنساني في
تطبيقاته؛ في حين أن تدريس مكون (الشفوي) l’oral رغم الاهتمام بالطريقة الحوارية، نلاحظ شبه إيمان من طرف
المدرسين على ضرورة تكلم التلميذ جيدا لضمان صفاء اللسان، مع تصحيح الأخطاء والانحرافات عن المعيار المحدد
والمتعارف عليه ،ولكن بلطف وبدون تَـذمُّــر.
      إذن كيف نؤسس لديداكتيك خاصة ومُغرية للدرس النحوي؟
يجب على الديداكتيكيين التقليل من حدة الخوف من خلال الاهتمام بتمثلات المدرسين الجدد. هذه التخوفات غير المبررة
نجد لها جوابا وشفاء في شكل مسالك سلسة تتمثل في التحكم والتمكن من الطريقة التواصلية والافهامية، آنئذ سيفهم الطلبة
الأساتذة كيفية بناء الدروس حسب مختلف الطرق سواء الاستقرائية أم غيرها؛ ويجد ر أيضا بمعية الطلبة الجدد عدم
إعطاء مطلق السلطة للوسائل الديداكتيكية (الكتاب المدرسي) ، بل يجب أن تكون لهم القدرة على نقده، وأن يكمل بعضهم
بعضا، وهذا يحتاج الى وقت وتوسيع للزمن المدرسي المخصص لتدريس النحو ، وعليهم أن يدركوا أن تدريس النحو
يجب أن يكون مدمجا في المحتويات الأخرى للبرنامج الدراسي.
3-  خاتمة ׃
      تتجه الأبحاث البيداغوجية  نحو التشديد على مناهج ديداكتيك التثبت Ancrée والبحث في تصورات وتمثلات
الفاعلين التربويين Sujets، بطريقة عمودية وطولية Longitudinale، ومواكبة زمرة من الطلبة على طول البرنامج
التكويني ،من أجل الوقوف على التحولات المركزية للمفاهيم عند الطلبة ، وفهم سيرورة التعلم بشكل أكبر؛ هذه السيرورة
تفرض غالبا المرور من المفاهيم البسيطة وغير الواضحة والمبنية غلى تجارب شخصية إلى رؤية للفعل التعليمي الأكثر
 تركيبا ودقة في التحكم في المحتوى، ومُلحًّا في تطبيقاته في السياق الواقعي و العملي.
     يتعلق الأمر إذن بتحليل أثر السنوات الأولى للتطبيق المستقل للمتدربين، هذا التدريب الذي يسهل الدخول إلى سوق
 الشغل لأغلب حاملي الشواهد.
    فما الذي تبقى من التكوين بعد سنتين من التدريس ؟ ما هي آثار المؤسسة التعليمية على نظرتهم للتعليم ؟
نرنو من خلال هذه الأبحاث والتساؤلات إضاءة الطريق نحو المَهْنـَنَة (المهنية) Professionnalisation  الممكن
تحصيلها بعد تكوين مطول ؛ وانطلاقا من سؤال الطلبة الأساتذة  عن الشروط العملية لممارسي المهنة التدريسية، والتي قد
تحطم ميولاتهم التجديدية ، واجهنا تحدّيين هما ׃ الأول مصاحبة المتدربين من خلال أنشطة تجديدية للتكوين المستمر ،
والثاني توفير بيئة غنية ومحفزة ، ومرشدين منفتحين على الإبداع والتجديد .

             

      


                                                                                                                                                                          




[1] pasأما في  نحو التعبير الشفوي  فنقول׃  NE PASمثلا في النحو المكتوب نقول׃
[2]-CHartrand,s-G(1996), «pour un nouvel enseignement de la grammaire,Montréal,les Editions Logiques» .
  - CHartrand,s-G(1999), «Enseigner la grammaire autrement»,dans R.Bergeron et G.de Koninck,numéro hors série ,la gramaire a
     Au cœur du texte Québec française p10-12.
ششارك على جوجل بلس

عن tarrbia

أكتب هنا نبذة عنك للتعريف بنفسك.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

أقسام المدونة